الإستغاثة بالأموات


اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﻤﻴّﺖ : 
أﻣﺎ ﻃﻠﺐ اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﻴﺖ ، ﻓﻠﻢ ﻳﺠﻮّزﻩ الوهابيون واستدلوا ﻋﻠﻰ ذﻟﻚ ﺑﺎﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ : {فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّه أَحَداً}[الجن/18] 

واﻟﺠﻮاب ﻋﻦ ذﻟﻚ : إن ﻟﻠﺪﻋﺎء ﻣﻌﻨّﻰ ﻟﻐﻮﻳﺎً وﻣﻌﻨﻰ اﺻﻄﻼﺣﻴﺎً . أﻣّﺎ اﻟﻠﻐﻮي : ١ـ اﻟﺪﻋﺎء ﻓﻲ اﻟﻠﻐﺔ : هو اﻟﻨﺪاء : ﻣﺜﻞ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : {لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً}[النور/63]٢ـ وﻳﻄﻠﻖ اﻟﺪﻋﺎء ﻋﻠﻰ ﺳﺆال الله ﺗﻌﺎﻟﻰ وﻃﻠﺐ ﺣﻮاﺋﺞ اﻟﺪﻧﻴﺎ واﻵﺧﺮة ﻣﻨﻪ. وهذا اﻻﻃﻼق إﻣّﺎ ﻷﻧّﻪ أﺣﺪُ أﻓﺮاد اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻟﻠﻐﻮي، أو ﻟﺼﻴﺮورﺗﻪ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﻋﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ذﻟﻚ، أو ﻣﺠﺎزاً ﻣﺸﻬﻮراً. واﻟﺪﻋﺎء ﺑﻬﺬا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﺴﻤّﻰ ﻋﺒﺎدة، وإﻟﻰ هذا ﺗﺸﻴﺮ اﻵﻳﺔ اﻟﻜﺮﻳﻤﺔ : {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر/60]ﺛﻢ أن ﻣﻄﻠﻖ اﻟﺪﻋﺎء، وﻧﺪاء اﻟﻐﻴﺮ وﻃﻠﺐ اﻟﺤﺎﺟﺔ ﻣﻦ ﻏﻴﺮ ﷲ ﻻ ﻳﻜﻮن ﻋﺒﺎدة وﻻ ﻣﻤﻨﻮﻋﺎً ﻓﻤﻦ دﻋﺎ رﺟﻼً ﻟﻴﺄﺗﻲ إﻟﻴﻪ، أو ﻟﻴﻌﻴﻨﻪ وﻳﻨﺼﺮﻩ، أو ﻟﻴﻨﺎوﻟﻪ ﺷﻴﺌﺎً، أو ﻳﻘﻀﻲ ﻟﻪ ﺣﺎﺟﺔ ﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﻋﺎﺑﺪاً ﻟﻪ وﻻ ﺁﺛﻤﺎً.

اﻟﻤﻌﻨﻰ اﻻﺻﻄﻼﺣﻲ : ١ـ ﻗﺪ ﻳﺮاد ﺑﻪ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﺨﺎص وهو اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻤﺴﺎوي ﻟﺪﻋﺎء الله ﺑﺎﻋﺘﻘﺎد أنّ اﻟﻤﺪﻋﻮ ﻗﺎدرٌ ﻣﺨﺘﺎر ﻣﺴﺘﻘﻞ ﻋﻦ الله ﻓﻲ ذﻟﻚ، كما كانت اﻟﻴﻬﻮد واﻟﻨﺼﺎرى ﺗﻔﻌﻞ ذﻟﻚ ﻓﻲ ﺑﻴﻌﻬﺎ وكنائسها. 
٢ـ وﻗﺪ ﻳﺮاد ﺑﻪ دﻋﺎء ﻣﻦ ﻧﻬﻰ الله ﻋﻦ دﻋﺎﺋﻪ ﻣﻦ اﻷﺻﻨﺎم واﻷوﺛﺎن اﻟﺘﻲ هي أﺣﺠﺎر وأﺷﺠﺎر، كما ﻓﻲ دﻋﺎء المشركين .
 ٣ـ وﻗﺪ ﻳﺮاد دﻋﺎء اﻟﻤﻼﺋﻜﺔ واﻟﺠﻦ اﻟﺬﻳﻦ كانوا ﻳﻌﺒﺪوﻧﻬﻢ وﻳﻌﺘﻘﺪون أن ﻟﻬﻢ ﺗﺄﺛﻴﺮاً ﻓﻲ اﻟﻜﻮن ﻣﻊ الله ﺑﺄﻧﻔﺴﻬﻢ . وﻋﻠﻰ هذا اﻟﻤﻌﻨﻰ ﻳﺪل ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ : {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّه عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ} [الأعراف/194] و{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِه لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَكُمْ وَلَا أَنْفُسَهمْ يَنْصُرُونَ} [الأعراف/197]واﻟﺤﺎﺻﻞ : إن دﻋﺎ نبيّاً واﺳﺘﻐﺎث ﺑﻪ ﻓﺬﻟﻚ ﻻ ﻳﺪﺧﻞ ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻤﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ. وذﻟﻚ ﻷن هذا اﻟﺪﻋﺎء ﻟﻴﺲ ﻣﻌﻨﺎﻩ هذه اﻟﺼﻮر اﻟﺜﻼث ـ اﻷﺧﻴﺮة ـ ﺑﻞ ﻣﻌﻨﺎﻩ : اﻟﻄﻠﺐ ﻣﻦ اﻟﻨﺒﻲ أن ﻳﺪﻋﻮ الله أو ﻳﺸﻔﻊ ﻟﻪ ﻋﻨﺪﻩ ، ﻣﻊ اﻋﺘﻘﺎد انّ اﻷﻣﺮ ﷲ إن ﺷﺎء ﻗﺒﻠﻪ ، وإن ﺷﺎء ردّﻩ . وﻻ ﻳﻜﻮن هذا ﻣﻦ اﻟﺪﻋﺎء اﻟﻤﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ ﺑﻌﺪﻣﺎ ﻋﺮﻓﺖ ﺑﺄﻧﻪ ﻟﻴﺲ كل دﻋﺎء ﻣﻨﻬﻴﺎً ﻋﻨﻪ، ﺑﻞ دﻋﺎء اﻟﻐﻴﺮ ﺑﺎﻋﺘﻘﺎد اﺳﺘﻘﻼﻟﻴﺔ اﻟﻤﺨﻠﻮق ﻓﻲ اﻟﺘﺄﺛﻴﺮ هو اﻟﻤﻨﻬﻲ ﻋﻨﻪ .اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻻﻧﺒﻴﺎء اﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻷﺣﻴﺎء :ﻗﺪ ﻳﻘﺎل : إن اﻟﺘﻮﺳﻞ ﺑﺎﻷﻧﺒﻴﺎء واﻟﺼﺎﻟﺤﻴﻦ ﻻ ﻣﻌﻨﻰ ﻟﻪ، ﻷﻧﻬﻢ أﻣﻮات، واﻟﻤﻴّﺖ ﻻ ﻳﺴﻤﻊ ﻓﻼ ﻣﻌﻨﻰ ﻷن ﻳﻘﺎل : ﻳﺎ رﺳﻮل الله أﻏﺜﻨﻲ، أو أﺗﻮﺟّﻪ ﺑﻚ إﻟﻰ الله ﻟﻴﻘﻀﻲ ﻟﻲ ﺣﺎﺟﺘﻲ . واﻟﺠﻮاب : ﻟﻘﺪ ﺗﻌﺮّﺿﻨﺎ ﻓﻲ بحث اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ ﻟﻬﺬﻩ اﻟﻤﺴﺄﻟﺔ ﺑﺎﻟﺘﻔﺼﻴﻞ وأﺛﺒﺘﻨﺎ ﺣﻴﺎة اﻷﻧﺒﻴﺎء ـ ﺑﻌﺪ اﻟﻤﻮت ـ ﻓﻨﻌﻴﺪ هنا ﺑﺎﺧﺘﺼﺎر أﻧﻪ : ﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﺷﺮﻋﺎً وﻻ ﻋﻘﻼ ﻣﻦ أن ﻳﺴﻤﻊ اﻟﻨﺒﻲ أو اﻟﻮﻟﻲ كلام ﻣﻦ ﻳﺘﻮﺳﻞ ﺑﻪ وهو ﻓﻲ اﻟﻘﺒﺮ ، أﻣّﺎ اﻟﻨﺒﻲ (صلى الله عليه وآله) ﻓﻸﻧﻪ ﺣﻲّ أﺣﻴﺎﻩ الله ﺑﻌﺪ ﻣﻮﺗﻪ كما ﺛﺒﺖ :1- ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ أﻧﺲ ﻋﻦ رﺳﻮل الله (صلى الله عليه وآله) أﻧﻪ ﻗﺎل : اﻷﻧﺒﻴﺎء أﺣﻴﺎء ﻓﻲ قبورهم ﻳﺼﻠّﻮن [1].

2- وﻷﻧﻪ ﺛﺒﺖ ﺣﺪﻳﺚ : ﻣﺎ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻣﺴﻠﻢ ﻳﻤﺮّ ﺑﻘﺒﺮ أﺧﻴﻪ اﻟﻤﺆﻣﻦ كان ﻳﻌﺮﻓﻪ ﻓﻲ اﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻴﺴﻠﱢﻢ ﻋﻠﻴﻪ إﻻ ﻋﺮﻓﻪ وردّﻩ ﻋﻠﻴﻪ اﻟﺴﻼم [2].
 3- وﻗﺎل اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ : وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ ﺳﻌﻴﺪ ﺑﻦ اﻟﻤﺴﻴﺐ ﻋﻦ أﺑﻲ هريرة، ﺁﻧّﻪ (صلى الله عليه وآله) ﻟﻘﻴﻬﻢ ﺑﺒﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻓﺤﻀﺮت اﻟﺼﻼة ﻓﺄﻣّﻬﻢ ﻧﺒﻴّﻨﺎ (صلى الله عليه وآله) ﺛﻢ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس . وﻓﻲ ﺣﺪﻳﺚ أﺑﻲ ذر وﻣﺎﻟﻚ ﺑﻦ ﺻﻌﺼﻌﺔ ﻓﻲ ﻗﺼﺔ اﻹﺳﺮاء أﻧّﻪ ﻟﻘﻴﻬﻢ ﺑﺎﻟﺴﻤﺎوات. وﻃﺮق ذﻟﻚ ﺻﺤﻴﺤﺔ. ﻓﻴﺤﻤﻞ ﻋﻠﻰ أﻧّﻪ رأى ﻣﻮﺳﻰ ﻗﺎﺋﻤﺎً ﻳﺼﻠّﻲ ﻓﻲ ﻗﺒﺮﻩ، ﺛﻢ ﻋﺮج ﺑﻪ هو وﻣﻦ ذكر ﻣﻦ اﻷﻧﺒﻴﺎء إﻟﻰ اﻟﺴﻤﺎوات ﻓﻠﻘﻴﻬﻢ اﻟﻨﺒﻲ (صلى الله عليه وآله) ﺛﻢ اﺟﺘﻤﻌﻮا ﻓﻲ ﺑﻴﺖ اﻟﻤﻘﺪس ﻓﺤﻀﺮت اﻟﺼﻼة ﻓﺄﻣّﻬﻢ ﻧﺒﻴﻨﺎ . ﻗﺎل : وﺻﻼﺗﻬﻢ ﻓﻲ أوﻗﺎت ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ وﻓﻲ أماكن ﻣﺨﺘﻠﻔﺔ ﻻ يردها اﻟﻌﻘﻞ ، وﻗﺪ ﺛﺒﺖ ﺑﻪ اﻟﻨﻘﻞ ﻓﺪلّ ذﻟﻚ ﻋﻠﻰ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ [3].
إذن : ﺛﺒﺖ أﻧّﻬﻢ أﺣﻴﺎء وﻳﺴﻤﻌﻮن ﻣﻦ ﻳﺴﻠّﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ : "ﻣﻦ ﺻﻠّﻰ ﻋﻠﻲﱠ ﻋﻨﺪ ﻗﺒﺮي ﺳﻤﻌﺘﻪُ" وﻣﻌﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺻﻼة ﻣﻦ ﻳﺼﻠّﻲ ﻋﻠﻴﻬﻢ : " أكثروا ﻋﻠﻲ ﻣﻦ اﻟﺼﻼة ﻓﻲ ﻳﻮم اﻟﺠﻤﻌﺔ ﻓﺈن ﺻﻼﺗﻜﻢ ﻣﻌﺮوﺿﺔ ﻋﻠﻲّ " . وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻦ اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ ﺑﺎﻟﺤﻲ وﻃﻠﺐ اﻻﺳﺘﻐﻔﺎر ﻣﻨﻪ . . . {قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ} [يوسف/97]، {اذْهَبُوا بِقَمِيصِي هَذَا فَأَلْقُوهُ عَلَى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً} [يوسف/93]
* * **************** * * *
______________________________________
[1] ﺻﺤﺤﻪ اﻟﺒﻴﻬﻘﻲ ﻓﻲ ﺟﺰء ﺣﻴﺎة اﻷﻧﺒﻴﺎء وأوردﻩ اﻟﺤﺎﻓﻆ اﺑﻦ ﺣﺠﺮ ﻋﻠﻰ أﻧﻪ ﺛﺎﺑﺖ ﻓﻲ ﻓﺘﺢ اﻟﺒﺎري ، وذﻟﻚ ﻟﻤﺎ اﻟﺘﺰﻣﻪ أن ﻣﺎ يذكره ﻣﻦ اﻷﺣﺎدﻳﺚ ﺷﺮﺣﺎً أو ﺗﺘﻤّﺔ ﻟﺤﺪﻳﺚٍ ﻓﻲ ﻣﺘﻦ اﻟﺒﺨﺎري ﻓﻬﻮ ﺻﺤﻴﺢ أو ﺣﺴﻦ . واﻧﻈﺮ اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻟﺴﻨﻴﺔ : ١١٤ .

[2] رواﻩ اﻟﻤﻨﺎوي ﻓﻲ ﺷﺮح اﻟﺠﺎﻣﻊ ﻻﺻﻐﻴﺮ، ﻋﻦ اﺑﻦ عساكر، وأﻓﺎد اﻟﺤﺎﻓﻆ اﻟﻌﺮاﻗﻲ ﺑﺄن اﺑﻦ ﻋﺒﺪ اﻟﺒﺮ ﺧﺮّﺟﻪ ﻓﻲ اﻟﺘﻤﻬﻴﺪ والإستذكار ﺑﺈﺳﻨﺎد ﺻﺤﻴﺢ ﻣﻦ ﺣﺪﻳﺚ اﺑﻦ ﻋﺒﺎس وﻗﺪ صححه أﻳﻀﺎ ﻋﺒﺪ اﻟﺤﻖ . واﻧﻈﺮ اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻟﺴﻨﻴﺔ : ١١٤ .

[3]- [أﻧﻈﺮ اﻟﻤﻘﺎﻻت اﻟﺴﻨﻴﺔ / ص ١١٤]

ليست هناك تعليقات