الإستغاثة : الشبهة والرد عليها
الشبهة :
قال ابن تيمية : إن قول أدركني أو أغثني أو أشفع لي أو انصرني على عدوي ونحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله إذا طلب في أيام البرزخ كان من أقسام الشرك [الهداية السنية / ص40] .وقال أيضا : " من يأتي إلى قبر نبي أو صالح .. ويسأله حاجته ويستنجده مثل أن يسأله أن يزيل مرضه أو يقضي دينه أو نحو ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله فهذا شريك صريح يجب أن يستتاب صاحبه , فإن تاب وإلا قتل " . [زيارة القبور والاستنجاد بالمقبور/ ص18]وقال محمد بن عبد الوهاب : إنٌ دعاء غير الله والاستغاثة بغير الله موجب للارتداد عن الدين والدخول في عداد المشركين وعبدة الأصنام واستحلال المال والدم إلا مع التوبة [أﻧﻈﺮ كشف اﻻرﺗﻴﺎب : ٢١٤]... ــــــــــــــــــــــــــ
الـــــرد : قال الشيخ نجم الدين الطبسي : إن الدعاء والاستغاثة بغير الله يكونان على وجوه ثلاثة :
1ـ أن يهتف باسمه مجرداً مثل أن يقول : يا محمد , يا عبد القادر , يا أهل البيت .
2ـ أن يقول : يا فلان كن شفيعي, أو ادع الله أن يقضي حاجتي .
3ـ أن يقول : اقض ديني, إشف مريضي, يا محمد أغنني من فضلك .
ولا مانع في هذه الوجوه, فضلاً عن أنها ليست شركاً بالله , لأن المسلم الموحٌد يعتقد بإن سوى الله لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعاً ولا ضراً بالاستقلالية, وإذا رجا من أحد نفعاً أو كشفاً لضر فيما منحه الله تعالى من ذلك, وبلا انفكاك عن مشيئة الله, فما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن ... فهو لا يقصد من التوجه إلى من ارتضاه الله واجتباه وفضله على خلقه إلا الشفاعة في قضاء الحاجة والدعاء لتيسير وتعجيل وتحقيق قضائها. فلا بد من حمل فعله على الصحيح, وعدم التهجم على الدماء والأموال والأعراض بغير يقين .
وعليه فلو قال : يا محمد ادع الله أن يقضي حاجتي, يكون المقصود هو الله تعالى . وأما لو قال : يا محمد اقض حاجتي : فمن باب إسناد الفعل إلى السبب مثل : انبت الربيع البقل .
وفيما يلي تذكرة ببعض الآيات التي ظاهرها صدور الفعل من العبد :
1ـ {وَمَا نَقَمُوا إِلَّا أَنْ أَغْنَاهمُ اللَّه وَرَسُولُه} [التوبة/74]
2ـ {وَارْزُقُوهمْ فِيها وَاكْسُوهمْ} [النساء/5]
3ـ {وَلَوْ أَنَّهمْ رَضُوا مَا آَتَاهمُ اللَّه وَرَسُولُه وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّه سَيُؤْتِينَا اللَّه مِنْ فَضْلِه وَرَسُولُه} [التوبة/59]
فالإغناء لا يكون إلا من الله فكيف جعل الرسول {صلى الله عليه واله وسلم } شريكاً في الرزق ؟ والوهابية جعلت قول : ارزقني شركاً وكفراً .
4ـ أضف إلى ذلك أن الله تعالى نسب إلى عيسى الخلق وإبراء الأكمه والأبرص . { أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيه فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّه وَأُبْرِئُ الْأَكْمَه وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّه ..} [آل عمران/49] فكيف لا يكون هذا شركاً وكفراً, وتكون نسبة شفاء المريض وقضاء الدين والرزق إلى النبي, أو الولي بإذن الله شركاً ؟
* * *
كلام السمهودي الشافعي :
قد يكون التوسل به صلى الله عليه وأله وسلم} بطلب ذلك الأمر منه أنه {صلى الله عليه وأله وسلم } قادر على التسبيب فيه بسؤاله وشفاعته إلى ربه فيعود إلى طلب دعائه وإن اختلفت العبارة . ومنه قول القائل له : أسألك مرافقتك في الجنة , ولا يقصد به إلا كونه { صلى الله عليه وأله وسلم } سبباً وشافعاً [وفاء الوفاء: 2/421].
أﻗﻮل : إن اﻟﻤﺮاﻓﻘﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨّﺔ ﻻ ﻳﻘﺪر ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻏﻴﺮ ﷲ ،ﻣﺜﻞ ﻏﻔﺮان اﻟﺬﻧﺐ وﺷﻔﺎء اﻟﻤﺮﻳﺾ. ﻧﻌﻢ ﻟﻮ ﻗﺼﺪ ﺑﻬﺬا اﻟﺪﻋﺎء اﻻﺳﺘﻘﻼل ﻓﻲ اﻟﺘﺎﺛﻴﺮ، ﻓﻬﺬا ﻣﺎ ﻟﻢ ﻳﻘﺼﺪﻩ أﺣﺪٌُ ﻣﻦ اﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ.
إذن ﻓﺎﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ واﻻﺳﺘﻌﺎﻧﺔ ﺗﺮﺟﻊ إﻟﻰ ﻃﻠﺐ اﻟﺸﻔﺎﻋﺔ واﻟﺪﻋﺎء. وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻨﻪ ﻋﻘﻼً وﻧﻘﻼً. واﻟﻮهاﺑﻴﺔ ﻗﺪ اﻋﺘﺮﻓﺖ ﺑﺠﻮاز اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻦ اﻟﺤﻲ .
ﻗﺎل اﺑﻦ ﺗﻴﻤﻴﺔ : ﺗﺜﺒﺖ ﻋﻨﻪ (صلى الله عليه وآله) ﻣﺎ ﻣﻦ رﺟﻞ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻪ أﺧﻮﻩ ﺑﻈﻬﺮ اﻟﻐﻴﺐ دﻋﻮة إﻻ وكل ﷲ ﺑﻬﺎ ﻣﻠﻜﺎً كلما دﻋﺎ ﻷﺧﻴﻪ دﻋﻮة، ﻗﺎل اﻟﻤﻠﻚ وﻟﻚ ﻣﺜﻞ ذﻟﻚ [رﺳﺎﻟﺔ زﻳﺎرة اﻟﻘﺒﻮر : ١٥٥] .
وﻣﻦ اﻟﻤﺸﺮوع ﻓﻲ اﻟﺪﻋﺎء إﺟﺎﺑﺔ ﻏﺎﺋﺐ ﻟﻐﺎﺋﺐ، وﻟﻬﺬا أﻣﺮ (صلى الله عليه وآله) ﺑﺎﻟﺼﻼة ﻋﻠﻴﻪ، وﻃﻠﺐ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ ﻟﻪ. ﻓﻔﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ : إذا ﺳﻤﻌﺘﻢ المؤذّن ، ﻓﻘﻮﻟﻮا ﻣﺜﻠﻤﺎ ﻳﻘﻮل، ﺛﻢ صلوا ﻋﻠﻲّ ﻓﺈنّ ﻣﻦ صلّى ﻋﻠﻲّ ﻣﺮة ﺻﻠﻰ الله ﻋﻠﻴﻪ ﻋﺸﺮاً ﺛﻢ اﺳﺄﻟﻮا ﷲ ﻷي اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ، ﻓﺈﻧّﻬﺎ درﺟﺔ ﻓﻲ اﻟﺠﻨﺔ ﻻ ﻳﻨﺒﻐﻲ أن ﺗﻜﻮن إﻻ ﻟﻌﺒﺪ ﻣﻦ ﻋﺒﺎد الله وأرﺟﻮ أن أكون ذﻟﻚ اﻟﻌﺒﺪ ﻓﻤﻦ ﺳﺄل ﷲ ﻟﻲ اﻟﻮﺳﻴﻠﺔ حلت ﻟﻪ ﺷﻔﺎﻋﺘﻲ ﻳﻮم اﻟﻘﻴﺎﻣﺔ [كشف اﻻرﺗﻴﺎب : ٢٢٣].
كما ﻳﺸﺮع ﻃﻠﺐ اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻤّﻦ هو ﻓﻮﻗﻪ ودوﻧﻪ ،ﻓﻘﺪ ﺛﺒﺖ ﻓﻲ اﻟﺼﺤﻴﺢ : أﻧّﻪ (صلى الله عليه وآله) ذكر أوﻳﺲ اﻟﻘﺮﻧﻲ وﻗﺎل ﻟﻌﻤﺮ : إن اﺳﺘﻄﻌﺖ ﻳﺴﺘﻐﻔﺮ ﻟﻚ ﻓﺎﻓﻌﻞ [كشف اﻻرﺗﻴﺎب : ٤٢١ / ٢].
وﻓﻲ اﻟﺤﺪﻳﺚ : إن اﻟﻨﺎس ﻟﻤﺎ أﺟﺪﺑﻮا ﺳﺄﻟﻮا اﻟﻨﺒﻲ (صلى الله عليه وآله) أن ﻳﺴﺘﺴﻘﻲ ﻟﻬﻢ ﻓﺪﻋﺎ الله ﻟﻪ ﻓﺴﻘﻮا[ﻣﺴﻨﺪ اﺣﻤﺪ : ٢٤٥ / ٣ وو٢٦١ و٣٨١].
إذن : ﻋﺮﻓﻨﺎ أن اﻻﺳﺘﻐﺎﺛﺔ هي ﻃﻠﺐ اﻟﺪﻋﺎء ﻣﻦ اﻟﻤﺴﺘﻐﺎث ﺑﻪ وﻻ ﻣﺎﻧﻊ ﻣﻨﻪ ﺳﻮاء أكان دوﻧﻪ أو ﻣﺴﺎوﻳﺎً ﻟﻪ .
* * *
Post a Comment